أسباب خيانة المرأة بعد الزواج: تحليل نفسي واجتماعي شامل

تُعد الخيانة الزوجية من أكثر الظواهر الإنسانية تعقيداً وإثارة للجدل، لا سيما حين تصدر من المرأة، في مجتمع يحمل تجاهها منظومة توقعات أخلاقية صارمة تختلف عن تلك المفروضة على الرجل. وإذا كانت خيانة الزوج في بعض السياقات الاجتماعية والثقافية تُقابل أحياناً بشيء من التسامح أو التبرير، فإن خيانة المرأة تثير صدمة أوسع ورفضاً أعنف. غير أن المقاربة الموضوعية والعلمية لهذه الظاهرة تفرض تجاوز الأحكام الأخلاقية المسبقة، للوقوف عند الأسباب والدوافع العميقة التي قد تدفع امرأة متزوجة إلى خيانة شريك حياتها. فليست الخيانة سلوكاً عشوائياً، بل تتعدد خلفياتها بين العاطفي، والنفسي، والاجتماعي، وحتى البيولوجي أحياناً.

في هذا المقال الموسّع، نسلّط الضوء على الأسباب المحتملة لخيانة المرأة بعد الزواج، مستندين إلى الدراسات النفسية والاجتماعية، وتحليلات العلاقات الزوجية، دون تعميم أو إصدار أحكام، بل بغرض الفهم العميق للظاهرة ضمن سياقها الإنساني المعقّد.

1. الحرمان العاطفي والجفاف الحسي داخل العلاقة الزوجية

أحد أكثر الأسباب شيوعاً لخيانة المرأة يتمثل في شعورها بالحرمان العاطفي المزمن داخل الزواج. فالمرأة بطبيعتها تميل إلى التقدير العاطفي والشعور بالحب والانتماء، وغالباً ما تكون احتياجاتها العاطفية أكثر دقة وتعقيداً من تلك الجسدية. في حال شعرت بإهمال الزوج، أو غيابه العاطفي، أو فقدان لغة التواصل والحنان بينهما، تبدأ بمرور الوقت في البحث عن هذا الاحتياج في مكان آخر، حتى وإن كان ذلك خارج إطار العلاقة الشرعية.

يؤكد الباحث النفسي الأمريكي “غاري نيومان” في كتابه “The Truth About Cheating” أن نحو 90% من النساء اللواتي قمن بخيانة شركائهن أشرن إلى أن السبب الأول وراء ذلك هو “الإهمال العاطفي”، وليس الدافع الجنسي. هذا يشير بوضوح إلى أن غياب الحميمية العاطفية هو محفز قوي لسلوك الخيانة.

2. الانتقام من الخيانة أو الإهمال

بعض النساء قد يلجأن إلى الخيانة كرد فعل على خيانة أزواجهن لهن، سواء كانت هذه الخيانة جسدية أو عاطفية أو حتى معنوية. في هذه الحالة، تكون الخيانة نوعاً من “العدالة الشعورية”، حتى وإن لم تكن حلًّا واعيًا للمشكلة. الشعور بالخيانة يولّد لدى المرأة إحساسًا عميقًا بالخذلان والجرح في كرامتها، وقد يدفعها إلى الانتقام لإعادة التوازن النفسي الداخلي، لا سيما إن كانت تشعر بالعجز عن مواجهة الزوج مباشرة أو الحصول على اعتراف أو اعتذار.

كذلك، قد يكون الإهمال المستمر سبباً في سلوك مماثل. الإهمال لا يقتصر على الجانب العاطفي فحسب، بل يشمل الإهمال الجسدي، وعدم التفاعل مع احتياجات الزوجة، أو التقليل من شأنها، أو إشعارها بأنها لا تُشكل أولوية في حياة شريكها.

3. الاضطرابات النفسية والعاطفية

من الأسباب العميقة التي قد تقف خلف خيانة المرأة اضطرابات نفسية لم تُشخّص أو تُعالَج، مثل اضطراب الشخصية الحدية، أو اضطراب الشخصية النرجسية، أو حتى الاكتئاب المزمن. هذه الاضطرابات تؤثر على قدرة الشخص على اتخاذ قرارات عقلانية متزنة، وقد تؤدي إلى سلوكيات متهورة أو بحث دائم عن التحفيز الخارجي، بما في ذلك العلاقات العاطفية غير الشرعية.

من النساء من تعاني من “فراغ داخلي” مرتبط بعدم التصالح مع الذات أو الشعور بعدم الأهمية، فتسعى لملء هذا الفراغ عبر علاقات توفر لها لحظات مؤقتة من التقدير والانبهار. وفي هذه الحالة، تكون الخيانة انعكاساً لأزمة هوية عميقة أكثر من كونها رغبة في الخروج عن القيم الأخلاقية.

4. الروتين والملل الجنسي داخل الحياة الزوجية

تشير الدراسات إلى أن الزواج الذي يغيب فيه التجديد الجنسي والانجذاب المتبادل يكون أكثر عرضة لتدهور العلاقة. وعندما تشعر المرأة بأنها فقدت الشغف أو الجاذبية أو أن العلاقة الحميمة باتت روتينية ومملة، قد تبحث عن بدائل توفر لها هذا البُعد المفقود، خاصة إذا تزامن ذلك مع قلة الحوار والتواصل مع الزوج حول هذه القضايا.

الملل الجنسي لا يرتبط فقط بتكرار الأفعال، بل بعدم الاستجابة العاطفية والجسدية بين الطرفين، وهو ما يخلق فجوة تنمو تدريجياً حتى تتحول إلى دافع للخيانة.

5. النضج المتأخر أو الزواج القائم على ضغط اجتماعي

في بعض الحالات، تتزوج المرأة تحت تأثير ضغط عائلي أو اجتماعي، دون نضج كافٍ أو دون اقتناع عاطفي عميق بالشريك. وقد تمر سنوات قبل أن تدرك أنها لم تكن مستعدة فعلاً لخوض تجربة الزواج، أو أنها لا تجد ذاتها داخل العلاقة الزوجية. وحين تنضج عاطفياً وتبدأ بإعادة تقييم حياتها، قد تجد في علاقة خارجية تعويضاً أو حتى مخرجاً نفسياً من الشعور بالضياع.

في هذه الحالات، تكون الخيانة عرضاً لمشكلة أعمق تتعلق بهوية المرأة ومسار حياتها الشخصي، لا مجرد رغبة في خيانة الثقة الزوجية.

6. التأثر بالمحيط الاجتماعي والبيئة الثقافية

لا يمكن تجاهل أن المحيط الثقافي يلعب دوراً كبيراً في تشكيل مواقف الأفراد من العلاقة الزوجية، والمرأة ليست استثناءً. في بيئات تشهد تراجعًا في القيم، أو تفككًا أسريًا واسعًا، أو انتشاراً لثقافة “الحرية المطلقة” في العلاقات، قد تتأثر المرأة بشكل غير واعٍ بهذه التصورات، خصوصاً إذا ترافقت مع شعورها بالإحباط داخل حياتها الزوجية.

بعض الصداقات أو الأوساط الاجتماعية تُشجّع، بشكل مباشر أو غير مباشر، على تجاوز الحدود، خصوصاً في ظل الانفتاح الإلكتروني وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات المواعدة، التي باتت تسهّل الوصول إلى علاقات خارجية دون جهد كبير.

7. ضعف الوازع الديني أو القيمي

في غياب الوازع الديني أو الالتزام الأخلاقي القوي، تضعف لدى بعض النساء (كما هو الحال لدى الرجال) القدرة على مقاومة الإغراءات، خصوصاً في ظل غياب الرادع النفسي الداخلي. وحين يغيب هذا الرادع، تصبح الخيانة خياراً وارداً في حال توافرت الظروف الملائمة لذلك، سواء أكانت عاطفية أو مادية أو نفسية.

8. الإغراءات الإلكترونية وعلاقات “العالم الافتراضي”

في عصر التكنولوجيا الرقمية، أصبحت شبكات التواصل بيئة خصبة لبناء علاقات عاطفية تبدأ افتراضياً وتنتقل لاحقاً إلى الواقع. تبدأ هذه العلاقات عادة بلحظات إعجاب، أو محادثات عاطفية، ثم تتطور إلى ارتباط نفسي قد يتخطى حدود الشرع أو الأخلاق.

تشير دراسات إلى أن نسبة متزايدة من الخيانات الزوجية اليوم تبدأ على الإنترنت، وغالباً ما تُبرَّر بأنها “علاقات غير حقيقية”، رغم أن تأثيرها النفسي والجسدي قد يكون عميقاً للغاية.

9. الشعور بالدونية أو الحاجة إلى إثبات الذات

بعض النساء قد يحملن شعوراً دفيناً بالدونية أو قلة القيمة داخل العلاقة الزوجية، إما بسبب طبيعة الزوج المسيطر أو المهين، أو نتيجة تراكمات سابقة في الشخصية. هذه النساء قد يسعين لإثبات أنفسهن وجاذبيتهن من خلال علاقات خارج الزواج تمنحهن إحساساً بالقوة أو التقدير، حتى وإن كان مؤقتاً أو زائفاً.

في هذا السياق، تكون الخيانة وسيلة – ولو خاطئة – للتعويض النفسي، لا لرغبة جنسية أو عاطفية بقدر ما هي محاولة للهروب من الإحساس بعدم الأهمية.

10. العوامل البيولوجية والهرمونية

لا يمكن إنكار أن هناك جانبًا بيولوجيًا أيضاً في بعض حالات الخيانة، وإن كان تأثيره محدودًا مقارنة بالعوامل النفسية والاجتماعية. فالتغيرات الهرمونية، سواء الناتجة عن الحمل أو الولادة أو الدورة الشهرية أو حتى سنّ اليأس، قد تؤثر مؤقتاً على التوازن العاطفي للمرأة، وتزيد من حساسيتها أو حاجتها للتقدير والشعور بالجاذبية.

لكن هذا العامل لا يكون مستقلاً عادة، بل يتفاعل مع ظروف نفسية أو عاطفية قائمة، ليُشكّل في النهاية دافعاً إضافيًا نحو سلوك الخيانة.

جدول يلخص أهم الأسباب النفسية والاجتماعية لخيانة المرأة بعد الزواج

خاتمة

خيانة المرأة بعد الزواج ليست ظاهرة يمكن اختزالها في تفسير واحد أو في صورة نمطية جاهزة. إنها نتيجة تفاعل معقّد بين ظروف نفسية، عاطفية، اجتماعية وبيولوجية. الفهم العميق لهذه الدوافع لا يعني تبرير السلوك الخاطئ، لكنه يفتح الباب أمام حوار مجتمعي ونفسي أكثر نضجًا وواقعية حول العلاقات الزوجية، وأهمية بناء منظومة صحية من التواصل والدعم والتقدير المتبادل داخل الحياة الزوجية، لمنع وصول أي من الطرفين إلى لحظة انكسار تُفضي إلى الخيانة.

المراجع:

1. Gary Neuman, The Truth About Cheating, Wiley, 2008.

2. American Psychological Association – Journal of Family Psychology.